الجمعة، 20 يوليو 2012

شاى بحليب


                                          الصورة مأخوذة عن صورة غلاف ديوان شاى بلبن لهديل عبد السلام
الصباح
بداية اليوم .. و مُبتدئ كل خير على وجه الأرض
 تبدأ اشعة الشمس فى التسلل للبيت رويدا رويدا من كل الزوايا
يصل اول شعاع لوجهها .. يداعب انفها برفق فتستيقظ وهى مبتسمة ..
ترتفع اذرعتها فى الهواء محلقة لتلامس باقى الاشعة فتمنحها احساسا رائعا بالدفء و الطمأنينة
تغمض عينيها و تتمتم بآيات الحمد
تتهيأ للصلاة ترفع يديها لما خلف أذنها و تقف فى خشوع بين يدى خالقها ..
تسأله ان يحفظ زوجها و أولادها و بيتها
تنهى صلاتها و تبدأ بإيقاظى
بعينين نصف نائمتين اتطلع لوجهها المشرق تلتقطُ يدىَّ الصغيرتين بين كفيها الرقيقتين و تقبلهما فأبتسم واحتضنها
تشير الى بحزم باسم الى الاسراع حتى لا اتأخر على المدرسة ، اتكاسل طمعا فى قبلة منها لكنها تأخذنى بين ذراعيها و تحملنى حتى الحمام
علىّ ان اسرع حقا كى لا افوت طقسى اليومى الاهم .. اغسل وجهى و اتوضأ سريعا اقف على سجادة الصلاة و اصلى ثم اسرع بالركض على المطبخ لمتابعة طقسى الأهم

أكاد احفظ خطوات امى داخل المطبخ ... الآن ستضع المربى و القشدة فى الأطباق ثم تقلب البيض على الموقد ، نعم الآن تتحرك لإخراج الجبنة  المحببة لدىَّ ولدى أبى .. لكنه لا يأكل منها كالمعتاد فهو يخرج من البيت لعمله قبل ان استيقظ  بعد ان يطبع قبلة على جبينى و جبين أمى
الآن و اخيرا اهم طقس من طقوس يومى .. أمى تحمل البراد بحرص ..
تنظر الى فتبتسم
انها تعلم كم هو مهم هذا الطقس بالنسبة الى ..
اقترب منها كى ارى بشكل اوضح .. مازالت منضدة الطعام عالية حتى بعدما زاد طولى عشرة سنتيمترات اجازة هذا العام
فى الحقيقة هذا لا يهم ، امى قالت لى انى اذا اكلت كل شطائرى فسأصبح يوما ما فى مثل طولها و ارى كل شئ بوضوح
انا أكل جيدا هذه الايام و الاجازة القادمة سوف يزيد طولى مترا كاملا
تصب امى الماء الساخن فى الكوب الزجاجى بحرص .. الآن اراها ذرات السكر و الشاى وهى ترتفع و تتمازج كما  لو كانت تتعانق و تتحضن كل واحدة الأخرى
يرتفع البحر البنى المحمر كموج الاسكندرية من اسفل الكوب الى اعلاه ليغمر ثلث الكوب بأكمله ويذوب بداخله السكر فلا اكاد اراه
انظر الى عينى امى الصافتين اجدها  تراقب نظراتى للكوب و الشغف اللذى فى عينى بحب و حنان كبيرين
يحمر وجهى من رؤيتها وهى تراقبنى تتسع ابتسامتها لتخبرنى بطريقة مسرحية ان العرض الحقيقى لم يبدأ بعد
امى تعلم جيدا انى افضل ان يكون كوبى ثلثيه حليب  و الثلث الآخر ممتلئ بالشاى
لكنها تعلم اكثر كم اعشق ان ارى الحليب و هو يغوص فى قلب الشاى
تمسك امى بوعاء الحليب
اراه على قمة الوعاء متأهبا يفرد ذراعيه و يغمض عينيه و يقفز
يدور فى الهواء عدة دورات بخفة عجيبة
يدهشنى لونه الابيض ناصع البياض الذى يحافظ عليه دوما فى كل يوم
يضم رأسه الى قدميه بحركه خلفية مرنة و يغوص فى قلب  البحر البنى  المحمر بإنسيابية  ليأخذ منحنى لأسفل ثم يحتضن و يمتزج بالبحر تماما
مازالت عيناى مفتوحتين عن آخرهما
هذا هوطقسى اليومى .. تشير امى الى لقد حان الوقت كى ارتدى ملابسى ريثما تعد لى الشطائر
 أعود سريعا لأستمتع بفطورى معاها و اشرب مشروبى الاسطورى
الشاى بالحليب

ظل الشاى بحليب هو مشروبى الاسطورى الأول حتى وفاة والدتى و حدوث ما حدث
ماذا حدث ؟؟
لم احكه بعد ؟؟
لهذا قصة أخرى


أحمد فارس
16-6-2012

هناك 4 تعليقات:

  1. عميقة جدا ... أنا بموت في الشاي بالحليب ... ^_*

    ردحذف
  2. رحمها الله .. الشاي باللبن كتراتيل الصباح لأيامنا، أو كوِردٍ صباحي لا تغادر منزلك إلا و أنت قارئُهُ :)

    ردحذف
  3. ربنا يرحمها بجد

    شكرا يا سارة :)

    ردحذف